كانت الضربات الصاروخية الأميركية التي استهدفت قاعدة جوية عسكرية سورية الأسبوع الماضي، والتي قدمت كعقاب على استخدام نظام بشار الأسد الأسلحة الكيمياوية، خطوة غير متوقعة من جانب الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب. وقد دلّت هذه العملية العسكرية على تحول في السياسة الأميركية تجاه سورية من عدم التدخل المباشر إلى العكس، بعد أسبوع واحد فقط من إعلان إدارة ترامب أنها لا تهدف الى تغيير النظام في سورية. كما جاءت الضربات كإجراء غير متوقع، بعد تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية والتي أشار فيها إلى أنه غير مهتم بالتورط العسكري الأميركي في الشرق الأوسط.
جاء الإعلان عن تأجيل زيارة وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إلى روسيا، ودعوة جونسون دول مجموعة الدول السبع لفرض عقوبات إضافية على روسيا وسورية رداً على استخدام الأسد الأسلحة الكيمياوية كخطوة تصعيدية بعد العملية الأميركية. وعلى رغم عدم استجابتهم لنداء جونسون في ما يتعلق بالعقوبات، إلا أن القادة الغربيين في قمة مجموعة السبع جددوا النقاش حول تغيير النظام في سورية. تطرح هذه التطورات مسألة متى يتحرك الغرب في شكل فعلي للعمل من أجل سورية. الإجابة عن هذا السؤال تكمن في واشنطن.
يتأجج الصراع السوري منذ أكثر من ست سنوات، من دون نهاية واضحة في الأفق. وعلى الرغم من اتفاقات وقف إطلاق النار المتعددة وجولات عدة من محادثات السلام، لم تكن هناك أدلة على وجود إرادة سياسية في الغرب لإنهاء الصراع. وكان الجاني الرئيسي على مدى تلك السنوات هو الولايات المتحدة. في ظل الرئيس السابق باراك أوباما، كان الصوت الأعلى في الولايات المتحدة هو البيت الأبيض بدلاً من وزارة الخارجية أو البنتاغون. وكان البيت الأبيض - وتحديداً موقف الرئيس من سورية - هو تفادي التدخل العسكري في أي شكل من الأشكال.
كل هذا أتاح استمرار الصراع السوري. أضف الى ذلك نهج الولايات المتحدة تجاه الصراع والذي بني على عدم السماح لأي جانب واحد بالفوز عسكرياً. وقد اتخذت الولايات المتحدة هذا النهج على أساس أنه إذا لم يشعر النظام ولا المعارضة أنهما يمكن أن يفوزا، فإن كلا الطرفين سيضطران إلى الجلوس حول طاولة المفاوضات. ولكن بدلاً من أن يُجبر النظام السوري والمعارضة على التفاوض، أدى عدم الفوز العسكري لأي فريق - إلى جانب استمرار التمويل من جانب داعمين أجانب من الجانبين – الى استمرار محاولة تحقيق النصر العسكري.
وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة دعت إلى إجراء المفاوضات، فقد أثبتت المنظمة الدولية أنها غير قادرة إلى حد كبير على إحداث التغيير على أرض الواقع. فقد عارضت روسيا بانتظام قرارات مجلس الأمن. وانتهت غالبية المساعدات الإنسانية الموجهة عبر الأمم المتحدة إلى مناطق يسيطر عليها النظام وليس الى مناطق سيطرة المعارضة. واستخدمت المحادثات في جنيف كفرصة من النظام السوري وروسيا لتقويض المعارضة بدلاً من الدخول في مفاوضات فعلية. وشاركت الولايات المتحدة في محادثات السلام ولكن من دون أن تلعب دوراً قيادياً. وكأن الولايات المتحدة قد تعهدت بالصمت من أجل إثبات أن الرئيس أوباما كان جدياً عندما قال إنه لن يجرّ الولايات المتحدة إلى مستنقع آخر في الشرق الأوسط في أعقاب التدخل في العراق عام 2003 .
سياسة أوباما عنت أن الولايات المتحدة لم تظهر ان لديها قيادة سياسية بالنسبة الى القضية السورية، وترك هذا الدور مفتوحاً على نطاق واسع لروسيا، التي استخدمت الأزمة السورية كوسيلة لتأكيد نفسها في مواجهة الولايات المتحدة.
عندما جاء ترامب إلى السلطة، كان هناك تركيز كبير على علاقته مع روسيا، واعتبرت أكثر دفئاً من تلك التي اتبعها سلفه. ولكن مهما كان ترامب ليناً تجاه روسيا، فهو لا يستطيع السماح بأن يُنظر إليه على أنه الرئيس الذي سمح لروسيا بأن تصبح قوة عظمى تنافس الولايات المتحدة. كما أراد ترامب أن يثبت أنه، على عكس أوباما، يعني ما يقوله. ومثلما وجدت روسيا في سورية ساحة ملائمة لإعادة تأكيد نفسها في مواجهة الولايات المتحدة، يستخدم ترامب سورية حالياً بالطريقة نفسها تجاه روسيا. والعدد الكبير من المستشارين السابقين لأوباما الذين أثنوا على الضربات الصاروخية التي أمر بها ترامب يظهر مدى تأثير أوباما نفسه في الطريقة التي تعاملت بها حكومة الولايات المتحدة خلال ولايته مع سورية، واحتمال أن تتغير في حال تغير موقف الرئيس الأميركي.
مع هذا التحرك في واشنطن، أفاقت بقية الغرب من سباتها. وهذا يؤكد بوضوح شديد أهمية الإرادة السياسية الأميركية وتأثيرها في السياسة الغربية. لكن هذه الحركة المحدودة في واشنطن لا تعني أن السياسة الأميركية تجاه سورية قد تغيرت بين عشية وضحاها. ولا تزال الدول التي اجتمعت في قمة مجموعة السبع تنقسم حول ما يجب القيام به في شأن سورية. وفي ختام القمة، أكد بيان لوزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو عن سورية فقط أن الضربات الأميركية أتاحت «فرصة سانحة لبناء حالة إيجابية جديدة للعملية السياسية في سورية».
ومن المرجح أن تسبب الضربات الأميركية بعض القلق للنظام السوري، ليس لأنه سيعتبرها بداية لحملة عسكرية أميركية أكبر، ولكن لأنها تظهر أنه لا يمكن التنبؤ بقرارات الإدارة الأميركية الحالية. فحتى وقوع الضربات، كان نظام بشار الأسد وحليفته روسيا يشعران بالارتياح إزاء تقاعس الولايات المتحدة النسبي عن سورية. واليوم، من المرجح أن يقيسا خطواتهما بعناية أكبر. لكن هذا لن يعني أن النظام سيوقف أنشطته العسكرية في سورية. قد تتوقف الهجمات الكيماوية، ولكن نظام الأسد لا يزال يستخدم الأسلحة التقليدية ضد خصومه. وسوف يستمر في القيام بذلك طالما أن الولايات المتحدة ليست لديها استراتيجية في سورية.
والتحدي الذي تواجهه إدارة ترامب الآن هو متابعة عملها العسكري المعزول باستراتيجية شاملة لإنهاء الصراع السوري. إذا تم تصميم هذه الاستراتيجية في واشنطن، فإن بناء تحالف غربي لدعمها لن يكون عقبة. وتكمن العقبة في ما إذا كانت الولايات المتحدة ستؤدي دوراً ديبلوماسياً وعسكرياً رائداً لتمهيد الطريق أمام الانتقال السياسي في سورية أم لا.
*نقلا عن صحيفة الحياة